فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي صحيح مسلم: عن المغيرة بن شعبة قال: لما قدمتُ نجران سألوني فقالوا: إنكم تقرؤون {يا أخت هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سألته عن ذلك، فقال: «إنهم كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم» وقد جاء في بعض طرقه في غير الصحيح أن النصارى قالوا له: إن صاحبك يزعم أن مريم هي أخت هارون وبينهما في المدّة ستمائة سنة؟! قال المغيرة: فلم أدر ما أقول؛ وذكر الحديث.
والمعنى أنه اسم وافق اسمًا.
ويستفاد من هذا جواز التسمية بأسماء الأنبياء؛ والله أعلم.
قلت: فقد دل الحديث الصحيح أنه كان بين موسى وعيسى وهارون زمان مديد.
قال الزمخشري: كان بينهما وبينه ألف سنة أو أكثر فلا يتخيل أن مريم كانت أخت موسى وهارون؛ وإن صح فكما قال السدي لأنها كانت من نسله؛ وهذا كما تقول للرجل من قبيلة: يا أخا فلان.
ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: «إن أخا صُدَاء قد أذَّن فمن أذَّنَ فهو يُقيم» وهذا هو القول الأوّل.
ابن عطية: وقالت فرقة بل كان في ذلك الزمان رجل فاجر اسمه هارون فنسبوها إليه على جهة التعيير والتوبيخ؛ ذكره الطبري ولم يسمّ قائله.
قلت: ذكره الغزنوي عن سعيد بن جبير أنه كان فاسقًا مَثَلًا في الفجور فنسبت إليه.
والمعنى: ما كان أبوك ولا أمك أهلًا لهذه الفعلة فكيف جئت أنت بها؟! وهذا من التعريض الذي يقوم مقام التصريح.
وذلك يوجب عندنا الحدّ وسيأتي في سورة (النور) القول فيه إن شاء الله تعالى. وهذا القول الأخير يردّه الحديث الصحيح، وهو نص صريح فلا كلام لأحد معه، ولا غبار عليه. والحمد لله. وقرأ عمر بن لجأ التَّيْميّ {مَا كَانَ أَبَاكِ امْرُأُ سَوْءٍ}.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29)}.
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُواْ كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المهد صَبِيًّا} التزمت مريم عليها السلام ما أمرت به من ترك الكلام، ولم يرد في هذه الآية أنها نطقت ب {إني نذرت للرحمن صومًا} وإنما ورد بأنها أشارت، فيقوى بهذا قول من قال: إن أمرها ب {قولي} إنما أريد به الإشارة.
ويروى أنهم لما أشارت إلى الطفل قالوا: استخفافها بنا أشدّ علينا من زناها، ثم قالوا لها على جهة التقرير: {كيف نكلم من كان فِي المهدِ صبِيًا} و{كان} هنا ليس يراد بها الماضي؛ لأن كل واحد قد كان في المهد صبيًا، وإنما هي في معنى هو (الآن).
وقال أبو عبيدة: {كان} هنا لغو؛ كما قال:
وجِيرانٍ لنا كانوا كرامِ

وقيل: هي بمعنى الوجود والحدوث كقوله: {وَإِنْ كَانَ ذو عُسْرَةٍ} وقد تقدّم.
وقال ابن الأنباري: لا يجوز أن يقال زائدة وقد نصبت {صبيًا}، ولا أن يقال: {كان} بمعنى حدث، لأنه لو كانت بمعنى الحدوث والوقوع لاستغنى فيه عن الخبر، تقول: كان الحَرُّ وتكتفي به.
والصحيح أن {من} في معنى الجزاء و{كان} بمعنى يكن؛ والتقدير: من يكن في المهد صبيًا فكيف نكلمه؟! كما تقول: كيف أعطي من كان لا يقبل عطية؛ أي من يكن لا يقبل.
والماضي قد يذكر بمعنى المستقبل في الجزاء؛ كقوله تعالى: {تَبَارَكَ الذي إِن شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْرًا مِّن ذلك جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} [الفرقان: 10] أي إن يشأ يجعل.
وتقول: من كان إليّ منه إحسان كان إليه مني مثله، أي من يكن منه إلى إحسان يكن إليه مني مثله.
{والمهد} قيل: كان سريرًا كالمهد.
وقيل: {المهد} هاهنا حجر الأم.
وقيل: المعنى كيف نكلم من كان سبيله أن ينوَّم في المهد لصغره. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فأتت به} قيل إتيانها كان من ذاتها.
قيل: طهرت من النفاس بعد أربعين يومًا وكان الله تعالى قد أراها آيات واضحات، وكلمها عيسى ابنها وحنت إلى الوطن وعلمت أن عيسى سيكفيها من يكلمها فعادت إلى قومها.
وقيل: أرسلوا إليها لتحضري إليها بولدك، وكان الشيطان قد أخبر قومها بولادتها وفي الكلام حذف أي فلما رأوها وابنها {قالوا} قال مجاهد والسدّي: الفري العظيم الشنيع.
وقرأ أبو حيوة فيما نقل ابن عطية {فريًا} بسكون الراء، وفيما نقل ابن خالويه فرئًا بالهمز، و{هارون} شقيقها أو أخوها من أمّها، وكان من أمثل بني إسرائيل، أو {هارون} أخو موسى إذ كانت من نسله، أو رجل صالح من بني إسرائيل شبهت به، أو رجل من النساء وشبهوها به أقوال.
والأولى أنه أخوها الأقرب.
وفي حديث المغيرة حين خصمه نصارى نجران في قوله تعالى: {يا أخت هارون} والمدة بينهما طويلة جدًا فقال له الرسول: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بأنبيائهم والصالحين قبلهم» وأنكروا عليها ما جاءت به وأن أبويها كانا صالحين، فكيف صدرت منك هذه الفعلة القبيحة وفي هذا دليل على أن الفروع غالبًا تكون زاكية إذا زكت الأصول، وينكر عليها إذا جاءت بضد ذلك.
وقرأ عمر بن لجا التيمي الشاعر الذي كان يهاجي جريرًا {ما كان أبوك امرأ سوء} لجعل الخبر المعرفة والاسم النكرة وحسن ذلك قليلًا كونها فيها مسوع جواز الابتداء وهو الإضافة، ولما اتهموها بما اتهموها نفوا عن أبويها السوء لمناسبة الولادة، ولم ينصوا على إثبات الصلاح وإن كان نفي السوء يوجب الصلاح ونفي البغاء يوجب العفة لأنهما بالنسبة إليهما نقيضان.
روي أنها لما دخلت به على قومها وهم أهل بيت صالحون تباكوا وقالوا ذلك.
وقيل: هموا برجمها حتى تكلم عيسى فتركوها.
{فأشارت} أي هو الذي يجيبكم إذا ناطقتموه.
وقيل: كان المستنطق لعيسى زكريا.
ويروى أنهم لما أشاروا إلى الطفل قالوا: استخفافها بنا أشد علينا من زناها، ثم قالوا لها على جهة الإنكار والتهكم بها أي إن من كان في المهد يُربيّ لا يكلم، وإنما أشارت إليه لما تقدم لها من وعده أنه يجيبهم عنها ويغنيها عن الكلام.
وقيل: بوحي من الله إليها.
و{كان} قال أبو عبيدة: زائدة.
وقيل: تامّة وينتصب {صبيًا} على الحال في هذين القولين، والظاهر أنها ناقصة فتكون بمعنى صار أو تبقى على مدلولها من اقتران مضمون الجملة بالزمان الماضي، ولا يدل ذلك على الانقطاع كما لم يدل في قوله: {وكان الله غفورًا رحيمًا} وفي قوله: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة} والمعنى {كان} وهو الآن على ما كان، ولذلك عبر بعض أصحابنا عن {كان} هذه بأنها ترادف لم يزل وما ردّ به ابن الأنباري كونها زائدة من أن الزائدة لا خبر لها، وهذه نصبت {صبيا} خبرًا لها ليس بشيء لأنه إذ ذاك ينتصب على الحال، والعامل فيها الاستقرار.
وقال الزمخشري: كان لإيقاع مضمون الجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو هاهنا لقريبه خاصة والدال عليه معنى الكلام وأنه مسوق للتعجب، ووجه آخر أن يكون {نكلم} حكاية حال ماضية أي كيف عهد قبل عيسى أن يكلم الناس {صبيًا}.
{في المهد صبيا} فيما سلف من الزمان حتى نكلم هذا انتهى.
والظاهر أن {من} مفعول بنكلم.
ونقل عن الفراء والزجّاج أن {من} شرطية و{كان} في معنى يكن وجواب الشرط محذوف تقديره فكيف {نكلم} وهو قول بعيد جدًا.
وعن قتادة أن {المهد} حجر أمه.
وقيل: سريره.
وقيل: المكان الذي يستقر عليه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا}.
أي جاءتهم مع ولدها راجعة إليهم عندما طهرت من نفاسها {تَحْمِلُهُ} أي حاملةً له {قَالُواْ} مؤنبين لها {يا مريم لَقَدْ جِئْتَ} أي فعلت {شَيْئًا فَرِيًّا} أي عظيمًا بديعًا منكرًا من فرَى الجلدَ أي قطعه، أو جئتِ مجيئًا عجيبًا عبر عنه بالشيء تحقيقًا للاستغراب.
{ياأخت هارون} استئنافٌ لتجديد التعييرِ وتأكيدِ التوبيخ عنَوا به هارونَ النبيَّ عليه السلام، وكانت مِن أعقاب مَن كان معه في طبقة الأخوة، وقيل: كانت من نسله وكان بينهما ألف سنة، وقيل: هو رجلٌ صالح أو طالح كان في زمانهم شبّهوها به، أي كنت عندنا مثله في الصلاح أو شتموها به {مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} تقريرٌ لكون ما جاءت به فِرّيًا منكرًا وتنبيه على أن ارتكابَ الفواحش من أولاد الصالحين أفحشُ.
{فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أي إلى عيسى عليه السلام أنْ كلّموه، والظاهر أنها حينئذ بينت نذرَها وأنها بمعزل من محاورة الإنس حسبما أُمرت، ففيه دَلالةٌ على أن المأمورَ به بيانُ نذرها بالإشارة لا بالعبارة، والجمعُ بينهما مما لا عهدَ به {قَالُواْ} منكرين لجوابها {كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ في المهد صَبِيًّا} ولم نعهَد فيما سلف صبيًا يكلمه عاقل، وقيل: (كان) لإيقاع مضمونِ الجملة في زمان ماضٍ مبهمٍ صالحٍ لقريبه وبعيده، وهو هاهنا لقريبه خاصة بدليل أنه مَسوقٌ للتعجب، وقيل: هي زائدة والظرفُ صلة مَنْ وصبيًا حال من المستكنّ فيه أو هي تامة أو دائمة كما في قوله تعالى: {وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا}. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ}.
أي جاءتهم مع ولدها حاملة إياه على أن الباء للمصاحبة ولو جعلت للتعدية صح أيضًا.
والجملة في موضع الحال من ضمير مريم أو من ضمير ولدها. وكان هذا المجيء على ما أخرج سعيد بن منصور وابن عساكر عن ابن عباس بعد أربعين يومًا حين طهرت من نفاسها قيل: إنها حنت إلى الوطن وعلمت أن ستكفي أمرها فأتت به فلما دخلت عليهم تباكوا، وقيل: هموا يرجمها حتى تلكم عيسى عليه السلام.
وجاء في رواية عن الحبر أنها لما انتبذت من أهلها وراء الجبل فقدوها من محرابها فسألوا يوسف عنها فقال: لا علم لي بها وإن مفتاح باب محرابها عند زكريا فطلبوا زكريا وفتحوا الباب فلم بجدوها فاتهموه فاخذوه ووبخوه فقال رجل: إني رأيتها في موضع كذا فخرجوا في طلبها فسمعوا صوت عقعق في رأس الجذع الذي هي من تحته فانطلقوا إليه فلما رأتهم قد أقبلوا إليها احتملت الولد إليهم حتى تلقتهم به ثم كان ما كان.
فظاهر الآية والاخبار أنها جاءتهم به من غير طلب منهم، وقيل: أرسلوا إليها لتحضري إلينا بولدك وكان الشيطان قد أخبرهم بولادتها فحضرت إليهم به فلما رأوهما {قَالُواْ يا مَرْيَمَ لَقَدْ جِئْتَ} فعلت {شَيْئًا فَرِيًّا} قال قتادة: عظيمًا، وقيل: عجيبا.
وأصله من فرى الجلد قطعه على وجه الإصلاح أو الإفساد، وقيل: من أفراه كذلك واختير الأول لأن فعيلا إنما يصاغ قياسًا من الثلاثي وعدم التفرقة بينه وبين المزيد في المعنى هو الذي ذهب إليه صاحب القاموس.
وفي الصحاح عن الكسائي أن الفرى القطع على وجه الإصلاح والإفراء على وجه الإفساد.
وعن الراغب مثل ذلك.
وقيل الإفراء عام. وإيًا ما كان فقد استعير الفرى لما ذكر في تفسيره.
وفي البحر أنه يستعمل في العظيم من الأمر شرًا أو خيرًا قولًا أو فعلًا، ومنه في وصف عمر رضي الله تعالى عنه فلم أر عبقريًا يفري فريه، وفي المثل جاء يفري الفرى. ونصب {شَيْئًا} على أنه مفعول به. وقيل على أنه مفعول مطلق أي لقد جئت مجيئًا عجيبًا، وعبر عنه بالشيء تحقيقًا للاستغراب.
وقرأ أبو حيوة فيما نقل ابن عطية {فَرِيًّا} بسكون الراء وفيما نقل ابن خالويه {فرأ} بالهمزة.
{يَا أخْتَ هارون} استئناف لتجديد التعيير وتأكيد التوبيخ. وليس المراد بهرون أخا موسى بن عمران عليهما السلام لما أخرج أحمد ومسلم والترمذي والنسائي والطبراني وابن حبان وغيرهم عن المغيرة بن شعبة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران فقالوا: أرأيت ما تقرأون {فَأَرْسِلْ إلى هارون} وموسى قبل عيسى بكذا وكذا قال: فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله عليه الصلاة والسلام فقال: «ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم»بل هو على ما روي عن الكلبي أخ لها من أبيها.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: هو رجل صالح في بني إسرائيل.
وروي عنه أنه قال ذكر لنا أنه تبع جنازته يوم مات أربعون ألفًا من بني إسرائيل كلهم يسمى هارون.
والأخت على هذا بمعنى المشابهة وشبهو هابه تهكمًا أو لما رأوا قبل من صلاحها، وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير أنه رجل طالح فشبهوها به شتمًا لها.
وقيل: المراد له هارون أخو موسى عليهما السلام، وأخرج ذلك ابن أبي حاتم أيضًا عن السدى وعلي بن أبي طلحة. وكانت من أعقاب من كان معه في طبقة الأخوة فوصفها بالأخوة لكونها وصف أصلها. وجوز أن يكون هارون مطلقًا على نسله كهاشم وتميم، والمراد بالأخت أنها واحدة منهم كما يقال أخا العرب وهو المروى عن السدى.
{مَا كَانَ أَبُوكِ امرأ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} تقرير لكون ما جاءت به فريا أو تنبيه على أن ارتكاب الفواحش من أولاد الصالحين أفحش.
وفيه دليل على أن الفروع غالبًا تكون زاكية إذا زكت الأصول وينكر عليها إذا جاءت بضد ذلك.
وقرأ عمر بن بجاء التيمي الشاعر الذي كان يهاجي جريرًا {مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ سُوء} بجعل الخبر المعرفة والاسم النكرة. وحسن ذلك قليلًا وجود مسوغ الابتداء فيها وهو الإضافة. {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ} أي إلى عيسى عليه السلام أن كلموه.
قال شيخ الإسلام: والظاهر أنها بينت حينئذ نذرها وأنها بمعزل من محاورة الإنس حسبما أمرت ففيه دلالة على أن المأمور به بيان نذرها بالإشارة لا بالعبارة والجمع بينهما مما لا عهد به {قَالُواْ} منكرين لجوابها، وفي بعض الآثار أنها لما أشارت إليه أن كلموه قالوا: استخفافها بنا أشد من زناها حاشاها ثم قالوا: {كَيْفَ نُكَلّمُ مَن كَانَ في المهد صَبِيًّا} قال قتادة: المهد حجر أمه، وقال عكرمة: المرباة أي المرجحة، وقيل: سريره.
وقيل: المكان الذي يستقر عليه. واستشكلت الآية بأن كل من يكلمه الناس كان في المهد صبيًا قبل زمان تكليمه فلا يكون محلًا للتعجب والإنكار. وأجاب الزمخشري عن ذلك بوجهين، الأول أن كان الإيقاع مضمون لجملة في زمان ماض مبهم يصلح لقريبه وبعيده وهو هاهنا لقريبه خاصة والدال عليه أن الكلام مسوق للتعجب فيكون المعنى كيف نكايم من كان بالأمس وقريبًا منه من هذا الوقت في المهد وغرضهم من ذلك استمرار حال الصبي به لم يبرح بعد عنه ولو قيل: من هو في المهد لم يكن في تلك الوكادة من حيث السابق كالشاهد على ذلك، ومن على هذا موصولة يراد بها عيسى عليه السلام.
الثاني أن يكون {نُكَلّمُ} حكاية حال ماضية ومن موصوفة، والمعنى كيف نكلم الموصوفين بأنهم في المهد أي ما كلمناهم إلى الأن حتى نكلم هذا، وفي العدول عن الماضي إلى الحال إفادة التصوير والاستمرار.
وهذا كما في الكشف وجه حسن ملائم.
وقال أبو عبيدة: كان زائدة لمجرد التأكيد من غير دلالة على الزمان و{صَبِيًّا} حال مؤكدة والعامل فيها الاستقرار، فقول ابن الأنباري. إن كان نصبت هنا الخبر والزائدة لا تنصبه ليس بشيء، والمعنى كيف نكلم من هو في المهد الآن حال كونه صبيًا، وعلى قول من قال: إن كان الزائدة لا تدل على حدث لكنها تدل على زمان ماض مقيد به ما زيدت فيه كالسيرافي لا يندفع الإشكال بالقول بزيادتها.
وقال الزجاج: الأجود أن تكون من شرطية لا موصولة ولا موصوفة أي من كان في المهد فكيف نكلمه وهذا كما يقال كيف أعظم من لا يعمل بموعظتي والماضي بمعنى المستقبل في باب الجزاء فلا إشكال في ذلك، ولا يخفى بعده. اهـ.